المتطرفون الإسلاميون هم الأعداء الحقيقيون للإسلام

http://alhayat.com/OpinionsDetails/529647

المعنى الحقيقي للإسلاموفوبيا ليس الهجوم على تعاليم وطقوس الدين الإسلامي. إنه الهجوم على المسلمين، بشراً ومجتمعات، خصوصاً منها تلك الجديدة، ولكن النامية، الموجودة في الغرب. وتهدف هذه الهجمات إلى تحديد قابلية هذه المجتمعات على لعب دور فعال في المجتمعات ذات التعددية، والمشاركة بشكل كامل في الثقافة والاقتصاد العالميين. اذا كان هذا هو تعريف الإسلاموفوبيا، إذن بالتأكيد نحن نحتاج إلى إجراء مراجعة لتعيين من هم أكثر المعادين للإسلام وأشدهم خطراً وتدميراً له.

لأول وهلة قد تعتقد أن الجواب عن هذا السؤال بديهي وبسيط. ولكنني أقول إنهم ليسوا من امتهنوا تشويه الإسلام والمسلمين مثل روبرت سبنسر الذي سخّر نفسه لهذا الهدف وكأنه أحد جنود الحروب الصليبية. وليسوا هم من اتخذوا هذا المجال هواية غبية مثل اليهودية الأميركية المتطرفة باميلا غيلار. وليسوا حتى أولئك العنصريين، ولو بصورة مخففة، من امثال الكوميدي الأميركي الليبرالي غير المتدين بل ماهر الذي يكره كل الأديان ولكنه يخصص نقده اللاذع للإسلام من دون الأديان الأخرى. وليس حتى السياسيين في الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى مثل بيتر كنغ او ميشيل باكمان الذين حاولوا أن يفوزوا بأصوات الناخبين من خلال طرح انفسهم الحماة ضد «الطابور الخامس المسلم.»

على الرغم من كل الأذى الذي يتسبب به المعادون التقليديون للإسلام فإن اكثرهم سوءاً – أو بالأحرى المعادين الحقيقيين للإسلام – لا بد أن يكونوا المتشددين الإسلاميين الدمويين الذين يغذّون مادة المعاداة للإسلام ويوفرون لها ذخيرتها الموضوعية في بعض الأحيان. مع ذلك فإنه من السخف أن يُساوى الإسلام مع الإرهاب وكأن الاثنين مترادفان، فهناك عدد لا يُحصى من الإرهابيين غير المسلمين ممن يمارسون العنف السياسي. ولا يجب أن ننسى أن المتشددين الإسلاميين الدمويين هم ليسوا فقط أقلية، بل أقلية داخل أقلية. إلا أن أفعالهم المدمرة تتسم بخصوصية لافتة في كونها تهدد، وأحياناً تنجح، في مفاقمة الخوف من المسلمين وزيادة الكراهية ضدهم في الغرب وحول العالم.

يبدو أن المفارقات ليس لها حدود في هذه النقطة، فمثلاً نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن تامرلان تزارنييف، منفذ هجمات ماراثون بوسطن الإرهابية «إنه غاضب من تصوير العالم للإسلام بأنه دين عنف». لذلك قرر أن يثبت للعالم صحة رؤيته للإسلام بقتل ما يستطيع من المدنيين المنهمكين بممارسة الرياضة في ذلك اليوم.

وهنا تفوق تامرلان بضرره على الإسلام والمسلمين حتى على أولئك العنصريين الذين يصرخون بالويل والثبور ضد المسلمين وتجاوزت اساءته دعاية دعاة الكراهية ضد المسلمين أيضاً، فضرر هؤلاء يصغر أمام حجم الضرر الذي تسبب به تامرلان على القضية التي يدّعي الدفاع عنها، وهي سمعة الدين.

منذ ظهورهم في العصر الحديث، صنّف أصحاب العنف السياسي من السنّة والشيعة أنفسهم على أنهم حماة المستضعفين. وكان من بين أهم القضايا التي طرحوها هي غضبهم من الطريقة التي يصور بها الغرب والمجتمعات غير المسلمة الأخرى الدين الإسلامي والمسلمين.

بإعطائه مثالاً جديداً داعماً لأسوأ ما يوصف به المسلمون من أوصاف بذيئة ومبتذلة (على أنهم متطرفون دمويون)، قام تزارنييف باتباع تقليد يعود إلى السبعينات من القرن الماضي عندما سعى سلفيون جهاديون و»خمينيون» وبطريقة مستغربة إلى ما قالوا انه حماية لشرف الإسلام وسمعته من خلال اقتراف جرائم قتل جماعي بحق المدنيين الأبرياء.

عندما تُصور الرسوم الكاريكاتورية الدنماركية على أنها إهانة للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، وتغتنم منظماتٌ متطرفة الفرصة لتنظيم احتجاجات دموية تؤدي إلى سقوط قتلى، فمن هي الجهة التي تسيء لسمعة الدين؟ بعض من هذه الرسوم كان عنصرياً، وبعضها الآخر سخيفاً. كان يمكن لهذه الرسوم أن تمر من دون أي أذى يذكر لو لم تُثر كل تلك الضجة والصخب حولها. إذا كانت نية أصحاب الرسوم إثارة الخوف والكراهية ضد المسلمين والإسلام فإن من قام بعملهم بدلاً منهم هي الجماعات المتطرفة واحتجاجاتها الشريرة والتهكمية. هذه هي الإسلاموفوبيا، وأكثر إساءة يمكن أن توجه للإسلام والمسلمين.

ربما أول سابقة لهذا النوع من الإسلاموفوبيا الغريبة والذاتية كانت فتوى الموت الإيرانية التي اصدرها آية الله الخميني ضد سلمان رشدي عام 1989. لم تكن روايته، «آيات شيطانية»، لها أية صلة بالإسلاموفوبيا أو كونها معادية للمسلمين، على الرغم من أنها احتوت ايحاءات كاريكاتورية للخميني نفسه والتي كانت ربما السبب الحقيقي وراء اصدار الفتوى، فضلاً عن اسباب اخرى سياسية انتهازية. ولكن الفهم الخاطئ للكتاب وما رافقه من ادانة وحرق في المجتمعات الإسلامية، خصوصاً في بريطانيا والهند، صدرت من ناس لم يكونوا قد قرأوا حرفاً واحداً من الكتاب، الا إنهم لهثوا وراء عصبية جاهلة وغير موضوعية قبلت طرحاً سياسياً يصنف الكتاب على انه «مسيء للإسلام» على الرغم من أنه لم يكن كذلك. مرة اخرى، الأذى الحقيقي الذي تلقاه الدين والمسلمون جاء بسبب رد الفعل المتعطش للدماء والهستيريا المتمثلة بتهديدات القتل والاحتجاجات وتظاهرات حرق الكتاب وكل اشكال الغضب المصطنع والمفبرك.

ربما احدث ما وقع من أفعال «اسلاموفوبية» كان جريمة قتل الجندي البريطاني البشعة على يد رجلين نيجيريين في ضاحية «وولويتش» في لندن. وفي خضم فعلتهما المستنكرة كانا يجتران مقولات وسواسية ومتخيلة تصور العالم الإسلامي رازحاً تحت حصار غربي مفترض. ولم يفتهما بالطبع أن يعلنا رفضهما لصفة «التطرف» والتي قررا ان ينفياها عن طريق تقطيع جسد الجندي في وسط الطريق وفي وضح النهار.

وهكذا فإن مجموعات ضئيلة غارقة في ذهنية جنونية وشوفينية قررت أن افضل طريقة لمجابهة العرض السلبي للإسلام هو باتباع نفس السلوك الذي يتخذه «الاسلاموفوبيون الغربيون» كأدلة على صحة الصورة التي يطرحونها ضد الإسلام والمسلمين بصورة عامة. وهم بذلك يثبتون وبإخلاص تام نبوءة «الإسلاموفوبيين الغربيين» من خلال تقمصهم لنفس الصورة التي يدعون كراهيتها. ومن دون هذا العون الذي يقدمونه، فإن «الاسلاموفوبيين الغربيين» وببساطة سيظهرون على حقيقتهم التي تتسم بالسخافة. ولكن المتطرفين الدمويين الإسلاميين يوفرون لهؤلاء تبريراً غير مستحق وغير واقعي لتسويق الخوف والكراهية ضد مجتمعات المسلمين التي يدعي هؤلاء المتطرفون الدفاع عنها. لا أحد يغذي الاسلاموفوبيا بهذا القدر من التدمير والشدة مثلما يفعل هؤلاء المتطرفون الإسلاميون. انهم بحق «الإسلاموفوبيون الحقيقيون.»