http://international.
سيُعتبر السقوط الواضح للزعيم الليبي معمّر القذافي انتصاراً هائلاً في
السياسة الخارجية وتبرئة للرئيس الأميركي باراك أوباما.
لم تحظَ يوماً حملة اوباما القاضية بمشاركة عسكرية محدودة في العمليات في
ليبيا إلى جانب حلف شمال الأطلسي ودول مجلس التعاون الخليجي بتأييد شعبي.
فقد تعرّضت منذ إطلاقها لهجمات من كلّ حدب وصوب إما لأنها مضللة كثيراً
أو قليلاً ولأنه من غير المرجح أن تنجح. كما قيل إنّ هذا التدخّل سيؤدي
إلى المزيد من الخسائر البشرية في ليبيا بدلاً من إنقاذ الشعب وسيتسبّب
بضرر بدلاً من تعزيز مصالح الولايات المتحدة.
ويبدو أكيداً اليوم أنّ أوباما يملك تبريرات تخوّله القول إنه اتخذ
القرار الصحيح. فبوسعه إضافة رأس القذافي إلى رأس زعيم تنظيم «القاعدة»
أسامة بن لادن الذي تمّت تصفيته. وإن لم تغرق ليبيا في فوضى تامة خلال
الأشهر الإثني عشر المقبلة، فلن يكون ممكناً المساس بأوباما في كلّ ما
يرتبط بمسائل السياسة الخارجية خلال الحملة الانتخابية المقبلة على رغم
أنّ المسائل الاقتصادية قد تكون حاسمة على هذا الصعيد.
وتبدو المشاركة المحدودة في ليبيا دليلاً دامغاً على أنّ مقاربة أوباما
القائمة على التشديد على الائتلافات المتعدّدة الأطراف وعلى التصرّف بحذر
وموازنة المصالح بالقيم تؤتي نتائج أفضل من التفرد العنيف والعقائدي الذي
اعتمدته إدارة جورج بوش الابن.
تردّدت إدارة أوباما في اعتماد السياسة الخاصة بليبيا التي تولت المملكة
المتحدة وفرنسا إدارتها منذ البداية. وفي الأسابيع التي سبقت إعلانها،
عبّر مسؤول بريطاني رفيع المستوى خلال اتصال هاتفي أجراه معي عن يأسه من
التردّد الأميركي. لكن حين رأت الولايات المتحدة أن قوات القذافي تستعد
للتوجه إلى بنغازي من أجل سحق الثورة، انتهى هذا التردّد.
ويكمن هدف الإستراتيجية الأهم والمباشر في منع القذافي من تحقيق انتصار
حاسم، الأمر الذي تمّ بلوغه مباشرة. أما الهدف الثانوي فيقضي بمساعدة
الثوّار من خلال سحب الأسلحة الثقيلة وتقليص البنية التحتية العسكرية
التي كانت المصدر الأساس لسلطة النظام.
فيما تحوّل النزاع الليبي إلى حرب استنزاف طويلة، وجّه ما كان يبدو في
الواقع حائطاً مسدوداً ضربة تلو الأخرى لقوة القذافي العسكرية ولموقعه
الاستراتيجي. وساهم كلّ تطوّر في إضعاف الزعيم الليبي أكثر وفي تعزيز قوة
المعارضة المتمركزة في بنغازي. وخلال الأسابيع الأخيرة، بدا واضحاً أن
مصير نظام القذافي هو الانهيار.
وتكمن الميزة الأكبر لهذه الإستراتيجية في أنها لم تؤدّ إلى تدخّل خارجي
في الشؤون الليبية فيما تفادت بلوغ نتيجة غير مقبولة وروّجت لنتيجة
مفضّلة. كما وُضعت نتيجة النزاع ومستقبل ليبيا بين أيدي الليبيين
تقريباً. وكان هذا أساسياً في نجاحها. من دون الاستعانة بأي جندي على
الأرض، رجّح تدخل القوات الائتلافية كفة الميزان لمصلحة الثوار إلا أن
هذا التدخل لم يسعَ إلى السيطرة عليهم أو إلى استغلالهم. وتمّ التأكد من
أنّه لم ينظر إلى هذا التدخل على أنه رهان استعماري جديد في العالم
العربي ولم يصف الثورة بأنها وسيلة للنفوذ الغربي كما خشي العديد من
الأشخاص.
إلا أنّ هذه الميزة الكبيرة تبدو شديدة الحساسية. ويعتمد أحد نجاحات
أوباما في السياسة الخارجية كما يبدو اليوم على قدرة الحكومة الليبية على
إعادة فرض النظام وبناء المصالحة وتفادي الثأر واحتواء الاختلافات
المتأججة في ليبيا. كما من المهم مصالحة قبائل القذاذفة وورفلة مع النظام
الجديد.
يعدّ التخوّف من التحذيرات بإمكان بروز سيناريوات قاتمة بعد انتهاء
الثوّار الليبيين من إحكام السيطرة على العاصمة، مبكراً وغير منصف. فقد
يجري عدد كبير من الأمور بصورة خاطئة لكن لغاية الآن، تجري معظم الأمور
على ما يرام كما كان متوقعاً. غير أنّ الحكومة الليبية الجديدة تواجه
تحديات كبرى.
بوسع حلف شمال الأطلسي إنهاء حملته الجوية إلا أنّ الدعوة إلى إرسال «قوة
فرض استقرار» غربية أو تابعة للأمم المتحدة في ظلّ الظروف الراهنة تعدّ
تضليلية. فلم يعبّر أحد في ليبيا أو الغرب عن رغبته في التدخل المباشر
على الأرض.
فضلاً عن ذلك، ما من سبب يدعو إلى التفكير بأنّ الحكومة الجديدة لن تكون
قادرة على إنشاء نظام مستقر وأحسن بعد الانتهاء من تغيير النظام بدعم
غربي.
بوسع الغرب القيام بالكثير على صعيد المساعدة والدعم ومن الواضح أنّ هناك
مصلحة في ضمان أنّ النجاح في التخلص من القذافي يترافق مع النجاح في بناء
ليبيا أكثر استقراراً وأفضل. وضعت المشاركة المحدودة الغرب على الجانب
الصحيح من التاريخ في هذه الحالة وساهمت في إلغاء الفكرة القائلة بأنّ
هذه القوى تعارض التغيير في العالم العربي.
وضع عدد كبير من الزعماء السياسيين أملهم بنجاح هذه المشاركة المحدودة.
ودافع عنها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أكثر من أي شخص آخر. وخاطرت
الحكومة القطرية التي شاركت في الحرب الجوية وموّلت الثوّار ولقيت نتيجة
مرضية جداً.
لكن فيما يواجه أوباما معركة صعبة لإعادة انتخابه في تشرين الثاني
(نوفمبر) 2012، ما من زعيم آخر خارج ليبيا يراهن أكثر منه على النجاح في
قيام حكومة جديدة في طرابلس.